عن هشاشة المحاججة القائلة بتناقض مطالب رجال دين سوريين بدولة علمانية و بتحالف اصحاب الموقع العلماني في سورية معهم ..افتتاحية جريدة الحداثة
يحاجج كثير من مؤيدي النظام السوري الجديد ،بسطحية و تبسيط و ربما بسذاجة ، بأن مطالبة رجال دين و شيوخ علويين و دروز و مسيحيين بالعلمانية او مشاركتهم المحل السياسي مع علمانيين ، يشكل تناقضا واضحا و صارخا، بحكم موقعهم الديني وما تعنيه العلمانية من فصل بين الروحي و الزمني ، و أن هذا التناقض انما يفضح دعاوى رجال الدين و معهم التيارات و الشخصيات العلمانية باعتبارها مجرد مطالب كيدية لا تهدف إلا إلى تقويض وضع الحكم الجديد ووضع العصى في عجلات عربته ، هؤلاء لا يدركون أن مطالبة اولئك الشيوخ بالعلمانية ، بينما ينتمون إلى جماعات دينية تشكل اقليات سوسيولوجية * في المجتمع السوري و تحالف اصحاب الموقف العلماني معهم أمرا ليس طبيعيا فقط ومفهوما ، بل
ربما مبررا وضروريا ،وذلك في ضوء النقاط التالية
أولا : رجال الدين الذين يتحالف معهم العلمانيين في سورية انما ياتون من جماعات دينية ليس لها نظرية سياسية في الدولة و لا تملك مشروعا لدولة دينية، وهي جماعات تعيش أسلوب حياة عصري و مندمج في غالبية تمظهراته مع منطق الدولة العلمانية الحديثة.
ثانيا : من قال أن رجل الدين يجب أن لا يكون له رأي سياسي،و وممنوع عليه ان يعمل في السياسة ؟ ، بل و من قال أن رجل الدين
لا يمكنه ان يتولى ارفع موقع سياسي في بلد ما إلا إذا كان نظام الحكم فيها نظاما دينيا لا علمانيا ؟ ، أليس في المحصلة هو مواطن له حقوق المواطنين ذاتها ومنها العمل في السياسة و امتلاك موقف فيها ؟ . في الحقيقة و من وجهة نظر علمانية ،لرجل الدين كامل الحق في ان يعمل بالسياسة طالما انه لا يعمل من أجل دولة دينيةو بتحديد سياسي ديني يقوض مبدأ المواطنة وينتهك ثقافة حقوق الإنسان ، وهناك أمثلة في التاريخ الحديث لرجال دين كانو ا حكاما في دول غير دينية ، قبرص مثلا حكمها المطران مكاريوس بدستور علماني بين عامي ١٩٥٩ و ١٩٧٧و كان في ذات الوقت رئيسا لأساقفة الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية القبرصية
ثالثا : لماذا على رجل الدين ( الذي يمكن ان يتحالف معه العلماني) ان يكون ضد العلمانية إذا كانت هي أساسا
ليست ضد الدين و التدين، ومعظم النماذج العلمانية التي عرفتها تجربة الدولة الحديثة كانت تضمن حرية الاعتقاد الديني و ممارسة الشعائر الدينية، بل إن العلمانية ببساطة كانت وحدها النظام الذي يمكن ان يضمن حيادية الدولة ووقوفها بمسافة متساوية عن مختلف الاديان و المذاهب التي تعيش في كنفها ، عن “الأقليات ” و عن دين “الأغلبية” ، علي حد سواء . ثم في سورية ، أليس من الطبيعي بمكان ازاء التعدد الديني و المذهبي الذي يميز اجتماعها السياسي ، أن تصبح العلمانية نظام عدالة و أمان يحمي مختلف الجماعات الدينية فيها من التمييز و يضمن لها حرية ممارسة شعائرها الدينية ؟ .
تأسيساً على ذلك ، أليس من الطبيعي ، لرجل الدين السوري من اي جماعة دينية تشغل موقع “الأقلية” في البلاد ان يطالب بالعلمانية و يدعو اليها كونها تصون حقوق جماعته الدينية و تضمن لها حرية ممارسة شعائرها الدينية و تحميها من التمييز و من طغيان الجماعة الدينية التي تشكل “الأغلبية” على الحقوق والسياسة و الحقل العام؟ و بعد ذلك اليس من الجدوى بمكان ان يتحالف معه العلماني و تقف إلى جانبه التيارات العلمانية ؟
رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية فراس قصاص
في التاسع من شهر آب من عام ٢٠٢٥