من الأسلمة إلى التدين..كيف نفهم الحالة الدينية(٣).
من أسوأ ما أصاب عمليات التحديث المعاصر للإسلام هو إعادة فهم المعارف الغربية بمنظور إسلامي بدلاً من العكس
كان من أسوأ ما أصاب عمليات التحديث والاستيعاب المعاصر للإسلام التي بدأت في ظل الدولة العربية الحديثة، هو إعادة فهم المعارف والمنجزات الغربية بمنظور إسلامي بدلاً من العكس؛ أي دراسة الدين وإعادة فهمه بمدخلات العلوم الحديثة التي تطورت في عالم الغرب، فصار لدينا أنظمة إسلامية في السياسة والاقتصاد والبنوكوالتعليم والإعلام وأسلوب الحياة والعمارة، هي ليست إسلاماً وليست حضارة، بدلاً من أن يكون لدينا عمليات فهم واستيعاب للدين في فضائه العام بما هو حالة أو ظاهرة ثقافية أو اجتماعية فيكون لدينا سوسيولوجيا الإسلام وأنثروبولوجيا الإسلام وبيولوجيا السلوك الإسلامي،.. أو في عبارة أخرى كان يجب أن يكون لدينا أنسنة الدين بدلاً من تديين الإنساني، ففي الأنسنة يكون في مقدورنا أن ننشئ حياتنا كما يجب وكما نحب أن تكون ويكون الدينفي السياق المعرفي والاجتماعي الذي يخدم هذا الاتجاه، أو يكون التدين هو ما نتوقعه من الدين بما تمنحنا هذه التوقعات مدركاتنا الحضارية والاجتماعية، لكن في التدين فقد مضينا بحياتنا وشأننا المشهود لنخضعه للغيب الذي لا يعرفه أو يدركه أحد، وفي ظل غياب هذا الإدراك صارت تقود حياتنا مؤسسات وجماعات تنشئ معرفتها وقراءتها وفهمها للدين، وصار الدين هو ما تتوقعه ّ السلطات الدينية والسياسية، وتصف توقعاتها منا والتي هي مطالب وطموحات وأهواء سلطوية بأنها الدين أو كما في القرآن “ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله”.. لكنّنا نملك اليوم فرصة عظيمة في صعود الفردية وتدفق المعرفة وتداولها وإنتاجها على نطاق واسع يتاح لكل إنسان أن يشارك فيه، أن ننشئ حاضراً جديداً نحدده من معطيات الحاضر نفسه، غير ملزمين بالمؤسسات والمنجزات التي لم يعد لها مبرر، ولن تكون موجودة في المستقبل القريب.
لابراهيم غرايبة.
حفريات-موقع حزب الحداثة.