افتتاحية العدد: حول ما حصل في المناطق التي تقطنها غالبية درزية سورية.
ليست مهمة هي تفاصيل بداية الأحداث الأخيرة التي يختلف البعض حول مصدرها و من يقف خلفها ، المهم و الحاسم و المسؤول عما يحصل في المناطق التي تقطنها غالبية من اهلنا الدروز ،هو الشرط السياسي الذي شيده وصول نظام جديد إلى الحكم ، لديه مشروع سياسي ديني يزدري الديمقراطية ، يكره التنوع ، اثنيا كان ام دينيا و مذهبيا ام سياسيا ، و يعمل بالضد من استحقاقاته ، نظام حتي لو كان يظن بالإجراءات التي اتخذها حال وصوله لسدة السلطة ،انه يقوم علي تفكيك النظام الاسدي الطغياني الذي عانى منه السوريون لأكثر من نصف قرن ، الا أنه يعمل على تركيب نظام ديكتاتوري آخر ، لا يلبث ان يتحول هو الآخر إلى طغيان جديد حين يطبع وضع البلد اقليميا و دوليا و حين تستتب له عمليات توزيع مراكز القوة و معادلاتها فيحتكرها و يصبح مركزها الفعلي الوحيد
والمطلق.
فالمدخل الذي يبدأ بحل جهاز الشرطة ومؤسسة الجيش و تجويف العديد من مؤسسات الدولة و تسريح آلاف من موظفيها والبدء ببناء جهاز شرطة آخر مجبولا بأيديولوجية دينية إسلامية /سنية ،و جيش يرتكز على الفصائل الإسلامية السنية المتطرفة و فصايل الجيش الوطني رغم القبول بتطعيمه شكليا بضباط منشقين ، بدلا من عدم المساس بمؤسسة الشرطة بل إصلاحها و تطويرها وتغيير كبار ضباطها ممن تربطهم علاقات او ممارسات تنتمي للنظام السابق ، وبدلا من تغيير وجهة جيش النظام السابق وولائه ( كما هو ممكن و معروف في تجارب سورية سابقة ) ووضع الاسس المناسبة لتحييده عن التدخل بالسياسة…. و المدخل الذي يبدأ بوضع محددات لمختلف ابعاد الحياة في البلاد من خلال اعلان دستوري كالاعلان الذي صدر عن النظام الجديد و بمؤتمر حوار وطني لا يمثل إلا اهل النظام فهم الذين حددوا موضوعه و مدعويه و صلاحياته ،
هذا المدخل بتلك الحيثيات لا يمكن ان تكون مخرجاته في بلد شديد التعقيد سوسيولوجيا و شديد التنوع إلا مزيد ا من استسهال استهداف المختلف دينيا و مذهبيا و اثنيا و سياسيا و مزيدا من التشظي الوطني و الانفصال المصلحي بين السوريين وتهشيم قيم و استحقاقات العيش المشترك لديهم. و بقاء وضع البلاد معاقبة وعلى ما هي عليه من خراب عام و فقر متفش ،وضعف شامل و اندحار ذاتي و تركه مكشوفا وعاريا و مستهدفا في مواجهة عوامل الخارج و
إراداته المختلفة ،
نعم النظام الحالي يختلف عن النظام البائد السابق ، لا في اعتباره نظاما ديمقراطيا تعدديا
يؤمن بالتسامح بوصفه قبولا للآخر و لو على مضض ، بل في كونه نظام يعمل من أجل مشروع إسلام سياسي ذو نكهة معدلة تحمل بصمة الرئيس الشرع و رفاقه يريد فرضه على سورية ،في حين لم يكن يعني النظام السابق إلا مصلحة أشخاصه المباشرة و الضيقة من خلال حفاظه على السلطة و حيازته على ما استطاع من الثروة كهدف اول و أهم .