خطاب الفن يفضح فقر الإسلامويين.
إذا لم يكن في مقدور الأيدولوجيا، بوصفها خطاباً نسقياً مدوراً، إنتاج انفتاح إنساني مُحرِر للفنون، حتّى في سياق التعبيرات الدنيوية لحركات اليسار، على ما كشفت كتابات كثيرة هشّة، لما سمِّي ذات يوم “الأدب الملتزم”؛ فإنّ الأيدولوجيا، من ناحية ثانية، تكشف لنا في سياق تجارب حركات الإسلام السياسي، ليس ما يدل على وفرة الخطابات “الفنية” الفقيرة جداً فحسب؛ بل ما يدل على خواء مصداقية ما يسوّق الإسلام السياسي من شعارات أيضاً. فكما بدا واضحاً عجز الإسلام السياسي عن إنتاج خطابات معرِّفة لسياقات الواقع؛ فإنّ انكشاف حركاته في جانب الفنون، هو الأكثر تعبيراً على نفي تلك الادعاءات التي تزعم، من شمولية متوهّمة لخطاب ينظم الحياة بأسرها!
والحقيقة، أنّ خطاب الفنّ فضّاحٌ وغيور، لاتّصاله بالحرية من ناحية، والضّمير الإنساني من ناحية ثانية، ولعلّ هذا ما يفسّر لنا غياب شاعر واحد كبير، أو مسرحي كبير، يمكن أن تنجبه تيارات الإسلام السياسي!
الإسلاموية تمثل واقعاً متخيّلاً لا وجود له إلّا في تصوّر أتباعها الذين يصطدمون بأغلب مظاهر الحياة وأبرزها الفن
الوهم الذي يمكن تمريره في الخطابات الشعبوية، عبر استثمار واقع متخلّف كواقع المنطقة العربية، لا يمكن أن يكون منتجاً لقيمة فنية أو فلسفية أو شعرية، ويستحيل عليه، في الوقت ذاته، بروز شاعر كبير، ناهيك عن مجموعة من الشعراء، أو غيرهم من الفنانين!
فحركات الإسلام السياسي؛ إذ تسعى إلى تمثيل واقع متخيّل طهوريّ، لا وجود له إلّا في تصوّرات أتباعها، ستكون أبرز محطّات الحياة التي يصطدم بها واقع كهذا، هي محطة الفنون بمختلف أنواعها؛ فالفنون بوصفها تعبيرات إنسانية حرّة، ومتّصلة بالضمير البشري، ستجد، بالضّرورة، في تحديدات الأيدولوجيا وسياجاتها، ولا سيما الأيدولوجيا الإسلاموية، ما لا يمكنها التعايش معه؛ إذ تمارس تلك التصورات الطهورية قمعاً مواصلاً لحريّة الفرد وضميره، وتقسره على تمثيل خطاب فنّي ذي نزعة جماعية مشدودة إلى واحدية مسطّحة وواضحة، ومعمّمة تعميماً يخرج الفنّ عن فرديّته التي تكمن فرادته فيها؟!
يأتي الفنّ شاهداً على لا مصداقية دعاوى حركات الإسلام السياسي في تمثيلها الزائف “للإسلام”، عبر دعاوى شموليتها للحياة؛ فهو يقف، جنباً إلى جنب، مع قوانين الواقع التي تكذّب أوهام الإسلامويين، ولا سيما حينما يتوّلوا السلطة. ربّما هي مفارقة غريبة، في ألّا يكون هناك فرق، إلّا في الدرجة لا في النوع، حيال الآثار التي تنتج عن تولي الإسلامويين للسلطة، سواء جاؤوا بانقلاب عسكري (كما في السودان)، أم جاؤوا عبر انتخابات ديمقراطية، كما في تجربتي حماس والإخوان في مصر؟!
لمحمد جميل أحمد.
حفريات-موقع حزب الحداثة.