كيف نحارب الإرهاب والتطرف بالتعليم؟(١).
من يمعن النظر في الحديث الدائر حول تعديل مناهج التعليم من أجل محاربة المتطرفين والإرهابيين، الذين يتوسلون بالدّين، أو يتّخذون منه مبرراً وغطاءً لعملياتهم الإجرامية، يجده ينطوي، في الغالب الأعم، على مناداة بتجهيز مناهج لتدريس مادة التربية الدينية، تختلف عن تلك المقررة الآن؛ حيث يتم التركيز فيها على قيم التعايش والتسامح، وفهم الآخر، والإقرار بالتنوع الإنساني، لكنّ هذا المسعى لا يزيد عن استبدال نصوص بأخرى، واستشهادات بغيرها، ولا يعني تغيير طريقة التفكير في التدين باعتباره تجربة فردية.
ويتطلب التفكير في مناهج تعليمية دينية مختلفة، يكون بوسعها محاربة أو مواجهة التطرف والإرهاب، مراعاة عدة مسائل هي:
1 ـ من الضروري أن تتضمن المناهج التعليمية ما يساعد على كشف؛ بل فضح، منهج التفكير عند أتباع الجماعات والتنظيمات، التي توظف الإسلام في تحصيل السلطة السياسية والثروة والمكانة، كنموذج للمغالطات المنطقية الفادحة؛ حيث نجد أنّ النتائج تسبق المقدمات في كتابات هذا التيار، فهم يحدّدون الموقف الذي يحقق مصلحتهم أو منفعتهم، ثم يبحثون في النص القرآني والأحاديث المنسوبة للرسول، عليه الصلاة والسلام، والمقولات الفقهية، والأسانيد التراثية، والوقائع التاريخية، عما يبررون به الموقف، أو يجدون له تخريجات شكلية، خاصة إن كان مجروحاً من الناحية الأخلاقية أو العقلية، ومثل هذا المسلك يحتاج إلى الردّ عليه، وتفكيكه، وكشفه أمام الأجيال الجديدة، حتى لا تنطلي عليها مقولات هذا التيار، بدعوى أنّها تمثل صحيح الدين، أو طريقه المستقيم.
لا يمكن أن يكون هناك حديث جاد عن تعديل المناهج التعليمية لمحاربة الإرهاب، طالما استمرت مناهج التعليم تخاطب الذاكرة فقط
2 ـ لا يمكن أن يكون هناك حديث جاد عن تعديل المناهج التعليمية لمحاربة الإرهاب، طالما استمرت مناهج التعليم تخاطب الذاكرة فقط، وتعتمد على الحفظ والترديد، فيبدو المدرس والطالب، كأنّهما أعمى يقود أعمى، فمثل هذه الطريقة جعلت التعليم يتحول إلى “بيئة حاضنة للتطرف”، تقوم على سيادة التلقين، وتعطيل الفكر النقدي الذي يعصم صاحبه من أن يكون صيداً سهلاً للمتطرفين.
3 – لا بدّ من الالتفات إلى “المنهج الخفي”، وهو ما يزرعه المعلمون في رؤوس طلابهم من آراء وثقافات خاصة بهؤلاء المعلمين، ولا يكون لها علاقة بالمنهج الدراسي المقرر، وتزيد هذه العملية في ظلّ غياب رقابة الأجهزة التعليمية الرسمية، سيما مع استهداف المتطرفين للمدارس منذ عقود، كأسهل باب لبثّ الأفكار، وتجنيد الأتباع.
4 ـ من الضروري التوقف عند إطلاق اصطلاح علم على الرؤية الدينية، فهي معرفة إنسانية على أقصى تقدير، بعضها قد يتوسل بالتفكير العلمي، سيما في مجال الفقه، لكنّ هذا التوسل، في درجته الأقصى، يظلّ أقل بكثير مما يقتضيه العلم أو التفكير العلمي، فالعلم يروم الحقيقة بلا قيود ولا حدود، بينما الفقه، إن وجد نصاً اتخذ منه مقام الحقيقة، وكان هو غاية ما يصل إليه. ومن هنا يتحول العلم الديني إلى طريقة شكلية، يبدو أنّ ظاهرها علم، بينما باطنها ليس كذلك، وهي في نهاية الأمر، ترمي إلى التعمية على الهدف الحقيقي، واعتبار النصّ هو الغاية أو الإطار النهائي، مع الإفراط في تحديد هذا النصّ، وهذا لا يمكن أن يكون علماً بالمعنى المحض، إنّما تصبح أقصى ما يتم الوصول إليه في هذه الحالة؛ هو تطويع العلم ليوافق تأويل النص.
5- من المهم التنبّه إلى ما يقوم به التيار الديني المتطرف من خلط المعرفة بالدعاية والأيديولوجيا، والذي يتجلى في أكثر صوره تكثيفاً، فيما يسمى بـ “إسلامية المعرفة”، التي تؤدي في تطبيقها إلى تطويع العلوم لتصورات أيديولوجية، الأمر الذي يفقدها علميّتها إلى حدّ بعيد.
لعمار علي حسن.
حفريات-موقع حزب الحداثة.