ولادة الحداثة الروائية في العالم(٣).
مفهوم الواقع
أما في الفصل الثاني الموسوم بـ”ماهو الواقع؟: الأسئلة الجديدة”، وهو أحد الفصول التي قلّما نجد مثيلا لها في الكتب المترجمة الخاصة بفن الرواية، فيتناول فيه المؤلف مساءلة مفهوم الواقع، والأسئلة الجديدة التي نشأت بفعل هذه المساءلة، والمترتبات التي انعكست عنها في ميدان التناول الروائي. ولا يخفى بالطبع أنّ هذه المساءلة هي انعكاس مباشر لنهضة الفلسفة التحليلية، وسعيها إلى أن تكون فلسفة العلم عن طريق زلزلة القناعة بالمواضعات الراكدة للمفاهيم الأساسية التي تشكّل هيكل الوعي البشري. ولا يفوت المؤلف التأكيد أنّ الرواية الحديثة كانت بالغة الحساسية في تلمّس تأثيرات هذه الفلسفة واحتوائها في الحداثة الروائية.
يدرس المؤلف في الفصل الثالث المعنون بـ”الأشكال الجديدة: إعادة تشكيل الرواية”، ومن خلال أمثلة تطبيقية لأعمال روائية حداثية مؤثرة، الكيفية التي انعكست بها الحداثة الطاغية في ميدان الفن الروائي، والأشكال السردية التي تمّ توظيفها بقصد احتواء مفاعيل هذه التأثيرات الحداثية. أما في الفصل الرابع، الذي يحمل عنوان “المعضلات الجديدة”، فيسائل طائفة من المعضلات الروائية المستجدّة التي جاءت مع عصر الحداثة على صعيدي الموضوعات والتقنيات الروائية في سياق المقارنة مع رواية ما قبل الحداثة.
ويفرد المؤلف الفصل الخامس المعنون بـ”حول العالم الواقعي: السياسة” لمناقشة التأثيرات السياسية- والدنيوية على نحو عام- في الفنّ الروائي، خاصة في الفترة المحصورة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد فعلت هذه التأثيرات فعلها في الروائيين الحداثيين، ودفعتهم إلى اعتماد تعديلات محددة في طريقة تناولهم الروائي، ومساءلة الحداثة وإحداث تعديلات مؤثرة فيها، وبالكيفية التي قادت إلى عصر ما بعد الحداثة والرواية المعاصرة لاحقا. ونقرأ عن هذه الموضوعات في الفصل السادس الذي عنونه المؤلف بـ”مساءلة الحداثة: مراجعات منتصف القرن”.
تجديدات ما بعد الحداثة
يمتاز هذا الكتاب بميزة فريدة- إضافة إلى مزايا كثيرة فيه- هي كونه لم يكتف بالاشتغال على الرواية الحديثة- كما يوحي بذلك عنوانه- بل تناول في الفصل السابع المعنون بـ”التجديدات ما بعد الحداثية” مدخلا موجزا لرواية ما بعد الحداثة. كما وضع مؤلفه في الفصل الثامن المعنون بـ”الحداثة ما بعد الكولونيالية” مقدّمة موجزة للرواية ما بعد الكولونياليّة، وقف فيها على التأثيرات الحداثية في كلّ من الرواية ما بعد الحداثية والرواية ما بعد الكولونيالية، من خلال عدد من الروايات المتميزة. ويختتم المؤلف كتابه بفصل مخصّص للاستنتاجات، وإلقاء الضوء على مستقبل الرواية الحديثة.
يضمّ الملحق الأول في الكتاب النصّ الإنكليزي الكامل، مع الترجمة، للمقالة التاريخية المهمّة لفرجينيا وولف الموسومة بـ”الرواية الحديثة”، التي نشرتها في بداية ثلاثينات القرن العشرين. ويحتوي الملحق الثاني على ثبت تعريفي بمعظم الأسماء الروائية والثقافية التي مرّ ذكرها في الكتاب. أما الملحق الثالث فيضمّ ثبتا تعريفيا بقائمة كاملة من المصطلحات الفنية التي غالبا ما يمرّ بها القارئ للأعمال التي تتناول مبحث الرواية. ويتضمن الملحق الرابع قائمة
طويلة من المؤلفات التي رأت فيها المترجمة لطفية الدليمي أعمالا في غاية الأهمية لمن آنس في نفسه الرغبة في الاستزادة من القراءة والبحث في حقل الرواية الحديثة، والفن الروائي على نحو عام.
ويُختتم الكتاب بفهرس طويل من إعداد المترجمة اجتهدت فيه ليكون بمثابة معجم للمصطلحات، ودليلا لحشد من الأعمال الروائية، وأسماء الروائيين التي يعجّ بها الكتاب.
العرب- موقع حزب الحداثة.